في يوبيله الذهبي.. ما أبرز تحديات البحث العلمي في المجال الزراعي بموريتانيا؟
المصطفى متالي
احتفالا بمرور 50 عاما على تأسيسه، ينظم المركز الوطني للبحوث الزراعية والتنمية “أياما مفتوحة” يومي 26 و27 نوفمبر 2024، تحت شعار:
وفي المذكرة التي أصدرها المركز بهذه المناسبة أكد أن “مبدأ السيادة الغذائية أصبح يشكل هدفًا وأولوية للحكومات الأفريقية في السنوات الأخيرة.” مبينا بأن هذه التوجهات “تُعزى إلى الصراعات العالمية وجائحة كوفيد-19، فضلاً عن التأثيرات السلبية لتغير المناخ، التي أضرت بسلاسل التوريد وأسعار الأغذية المستوردة.”
في خضم التحديات
وحددت المذكرة عددا من التحديات الإضافية، منها: تدهور جودة التربة بسبب الممارسات غير الملائمة، ونقص البذور الجيدة، والأمراض، وزيادة الآفات، إلى انخفاض الإنتاجية الزراعية. تنضاف إلى هذه التحديات مشكلات تتعلق بالممارسات الزراعية، والخسائر بعد الحصاد، ونقص أدوات إدارة المياه، وضعف الميكنة، وصعوبة الوصول إلى الابتكارات التكنولوجية. مما يؤثر بشكل كبير – تضيف المذكرة – على النظام الغذائي بموريتانيا.
وأشار المركز في المذكرة إلى أن القطاع الزراعي في موريتانيا تبنّى رؤية لتحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي بحلول عام 2030. وبدعم من شركاء ماليين وفنيين، يسعى المركز الوطني للبحوث الزراعية والتنمية الزراعية إلى مواجهة التحديات التي تواجه القطاع الزراعي عبر تعزيز قدراته التشغيلية وإنتاج بذور ذات جودة عالية باستخدام تقنيات حديثة لحفظ السلالات النباتية وحماية المحاصيل. كذلك تم تحقيق تطورات في مجالات الري، وتحليل التربة، والزراعة الدقيقة.
من الباكالوريا إلى البحث العلمي
في مقابلة مع البروفسور أحمد ولد إسماعيل، وهو أول ثلاثة أساتذة أشرفوا على تكوين أجيال من الطلبة-الأساتذة في المدرسة العليا لتكوين الأساتذة بنواكشوط، أشار إلى مؤسستهم “لنس” ليست مؤسسة بحث أكاديمي في مجال النبات، لأن خريجيها يدرسون “العلوم الطبيعية” بشكل عام.
وشدد ولد إسماعيل بأن معدي المناهج التربوية بوزارة التعليم الثانوي “ارتكبوا خطأ” بحذف المواضيع المرتبطة بالنبات من مناهج وامتحانات الباكالوريا. ويتذكر العميد بأن “التكاثر عند النبات” كان أحد مواضيع الباكالوريا أيامَ كان هو من واضعي ومصممي تلك الامتحان. ويصف حذف تلك المواضيع “بالكارثة”.
وأضاف عميد الأساتذة المدرسين لعلم النبات، بأنهم منذ سنوات يطالبون كلية العلوم والتقنيات بجامعة نواكشوط بفتح ماستر في علم النبات، لأن هذه الماستر – يؤكد ولد إسماعيل – لن تفيد فقط المهتمين بمجال الزراعة، بل ستفيد كذلك في مجال الصيدلة، و سيخدم كذلك مجال التنمية الحيوانية.
“قانون العنصر الحاد”.. ومشكلات البحث الزراعي
في حديثه لموقع “بطلاقة” حدد المدير العام الأسبق للمركز الوطني للبحوث الزراعية والتنمية الزراعية، السيد محمد يحيى ولد محمد محمود، ثلاث تحديات رئيسة تعيق تطور البحث العلمي في الحقل الزراعي بموريتانيا، هي: استمرار وجود إدراة سياسية جادة واستراتيجية وطنية على المدى المتوسط والطويل، ثانيا اكتتاب وتكوين مصادر بشرية، ثالثا مسألة التمويل.
وشدد ولد محمد محمود، الذي أدار المركز بين عامي 1996 و1998، على أن العلوم الزراعية تخضع “لقانون العنصر الحاد” حيث يمكن لعنصر واحد مفقود أن يفسد حملة زراعية كاملة، مبينا بأن البحث العلمي الجاد، وتوفير التمويل المناسب ووجود العناصر البشرية، هي مسائل حاسمة في إنجاح العملية الزراعية برمتها.
وبخصوص التكوين أشار المدير إلى أن المهندس الزراعي يفترض فيه أن يلم بـ46 مجالا من المجالات المتعلقة بالزراعة، بدءا بالتربة وانتهاء بوسائط الحفظ والتبريد.
ولد محمد محمود أثناء حديثه لموقع “بطلاقة”
تكنولوجيا الري لثورة زراعية
أما الباحث جان ماري كوكاه، وهو مدير عام لمختبر متخصص في مجال الري ومقره بالمملكة المغربية، فيرى أن موريتانيا ما تزال بحاجة لدراسة أشمل للتربة، لكنه متفائل بمستقبل البحث العلمي بموريتانيا، على ضوء ما لمسه من مستوى العروض والمحاضرات التي استمع إليها.
وعند سؤاله عن أبرز المشكلات التي تواجه البحث العلمي في المجال الزراعي، أشار لمشكل المصادر البشرية، منوها للحاجة كذلك للتقنيين في المجال الزراعي.
وبين السيد كوكان، وهو مؤسس مختبر متخصص في التربة والري بخبرة نصف قرن، أن موريتانيا بحاجة لتطوير تقنيات الري، وإدخال أحدث التكنولوجيا المستخدمة في هذا المجال، من أجل إحداث ثورة زراعية حقيقة.
جان ماري كوكاه أثناء حديثه لموقع “بطلاقة”
اكتتاب واستقطاب الباحثين
من جانبه يرى الباحث الدكتور اباب سكْ، من المعهد السينغالي للبحوث الزراعية، أن موريتانيا والسنيغال تشتركان نفس التحديات، فيما يتعلق بالبحث العلمي في المجال الزراعي. مضيفا بأن الدولتين غير صناعيتين، وبالتالي فإن التنمية فيهما تمر عبر تطوير الحقل الزراعي.
ويرى بأنه من الطريق إلى تطوير الزراعة يمر حصرا عبر البحث العلمي الزراعي، وأنه لا بد من توفر عاملي الكم والكيف، أي وجود عدد معتبر من الباحثين ووجود باحثين مميزين جد ومقتدرين.
ويضيف الباحث أنه لا بد من اكتتاب واستقطاب الباحثين الجادين وتوفير ظروف ملائمة لهم للعمل، من خلال زيادة التحفيزات، ووجود بنية تحتية بحثية قادرة على استيعاب حاجيات تطوير البحث، من مختبرات ومعدات حديثة ومتطورة. فمن دون بيئة ملائمة لا يوجد بحث ناجع. وكل هذا -يضيف الباحث- يمر عبر توفير تمويل مناسب وكاف، ووجود رؤية واضحة.