تعتبر المناطق الرطبة ثروة طبيعية هامة لما تقدمه من خدمات بيئية أساسية في الحياة الطبيعية للكائنات الحية بصورة عامة، إذ تشكل نوافذ مفتوحة على التفاعلات التي تحدث بين التنوع الثقافي والتنوع البيولوجي؛ فهي عبارة عن معدل للنظام الهيدرولوجي ومصدر للتنوع البيولوجي في كل المستويات في داخل الأنواع ” المستوى الوراثي ومستوى النظام البيئي “، هذا بالإضافة لكونها مصدرا اقتصاديا وعلميا.
وتتعدد الأهمية البيئية والتنموية للمناطق الرطبة باختلاف أنواعها وأوساطها الحيوية، لذلك فإن تناقصها أو اختفاءها التدريجي يشكل تهديدا للأوساط الحيوية، واعتداء صارخا على البيئة الطبيعية قد تنجم عنه في بعض الأحيان أضرار بيئية غير قابلة للمعالجة والتصليح.
الأهمية الاقتصادية:
تعد المناطق الرطبة باختلاف أنواعها ثروة طبيعية واقتصادية منتجة لمواد مختلفة تدخل ضمن المتطلبات المعيشية للإنسان، فالسدود والمحاجر المائية والبحيرات والأنهار تمد الإنسان بالمياه الصالحة للشرب وكذا الري، وفي نفس الوقت هي منتجة للأسماك، هذا بغض النظر عن الإنتاج الكهربائي فيما يخص السدود.
أما الشطوط والسباخ فلها مردودية اقتصادية مهمة تتمثل في استخراج الأملاح المختلفة كمادة مصدرة، فيما توفر المروج مساحات رعوية بالغة الأهمية في الحياة الفلاحية زيادة على انتاجها لمادة العلف. وغير هذا من الفوائد الاقتصادية الكثيرة التي توفرها البيئة الرطبة.
الأهمية الإيكولوجية:
المناطق الرطبة في الأساس هي أوساط حيوية جد هامة لبعض الكائنات الحية يتعلق الأمر بالحيوانات والنباتات، حيث تستقطب مختلف الحيوانات خاصة الطيور المائية الشتوية المهاجرة التي تعبر القارات، بمعنى أن هذه المناطق الرطبة قد تكون محطات عبور لهذه الكائنات أو محطات توقف أو محطات عيش وتكاثر إلى غير ذلك من الفوائد الإيكولوجية التي تطلع بها الأوساط الحيوية للمناطق الرطبة.
وللمناطق الرطبة مهام أخرى لا تقل فائدة عن الأهمية الاقتصادية والإيكولوجية منها:
- مراقبة الفيضانات والتقليل من مخاطرها؛
- التحكم في الدورة الهيدرولوجية؛
- تجديد دائم للمياه الجوفية؛
- حجر الرواسب والمواد السامة؛
- حجر المواد الكيمائية وتصنيفها وإزالتها طبيعيا.
في ولاية تكانت مثلا
ولاية تكانت هي ولاية صحراوية بامتياز كما هي حال البلد بشكل عام، إلا أنها مع ذلك تضم مناطق رطبة ذات أهمية وطنية بل عالمية في حفظ التوازن البيئي المحلي والعالمي، كما أنها تعد مصادر رزق وأقطاب تنمية لعدد من سكان المنطقة.
تحتوي ولاية تكانت على مناطق رطبة عديدة تتفتاوت في الأهمية حسب نوعها وحجمها، ولفهم درجة أهمية هذه المناطق سنلقي الضوء على غنى تسمياتها المحلية الأمر الذي يؤكد درجة تأثيرها الاقتصادي والإيكولوجي والاجتماعي على الساكنة، وتتمفصل التسميات المحلية للمناطق الرطبة في الولاية على النحو التالي:
- التامورت:
وهي أرض منخفضة يصب فيها حوض ساكب، وتعد نظاما هيدرولوجيا مغلقا عمقه متوسط، ويحتفظ بالماء لأشهر عديدة من السنة، وتسود فيه أشجار أمورACACIA NILOTICA . ونموذجها في الولاية تامورت انعاج التي تسهم في توفير مياه الشرب والمراعي للحيوانات، كما تستخدم أطرافها للزراعة بالإضافة إلى توفيرها للمنتجات الغابوية الخشبية والغير خشبية، كما أنها تعد موئلا لبعض أندر الحيوانات مثل بالديزوك CORCODYLUS NILOTICUS وتابلنك PYTHON SEBAE والكوتي VARANUS VARANUS وأنواع عديدة من الطيور خصوصا المهاجرة.
- القيع:
وهي نظام هيدرولوجي مغلق، إلا أنها غالبا ما تجف بسرعة وتنتشر فيها الآبار التقليدية، وتسهم في سقي المواشي والزراعة الفيضية، وتعد القيع موئلا مائيا مفضلا للطيور المائية بسبب إنتاجها الوفير من النباتات المائية الدرنية، وأمثلتها في الولاية كثيرة، لعل من أبرزها قيعان واحة الحسينية في الجنوب الغربي من الولاية.
- الوديان:
وهي أنظمة هيدرولوجية مفتوحة ترتبط ببحيرات وتمارس فيها الزراعة الفيضية وزراعة الخضار، وتنتشر فيها الطيور المائية والزواحف. وتوجد في الولاية الكثير من الأودية من أهمها؛ وديان: واد لكصور” واد تجكجة “، الواد الأبيظ ” واد أغلمبيت “، واد النيملان، واد تالمست، واد بوراكة، واد انوجهن، واد القدية، واد أودية مجبور، واد البيجوج، وغيرها من الأنظمة الهيدرولوجية المفتوحة المنتشرة في عموم جغرافية الولاية الشاسعة، وتصب كل وديان تكانت في سهل انبيكة أو بالأحرى بحيرة تامورت انعاج التي تتجمع فيها كل المياه الواردة من جميع الأودية والوهاد في المنطقة، والتي تدفعها بفضل جريانها الفيضي إلى منطقة كبو آخر معقل لتجمع المياه في أقصى الجنوب الغربي من الولاية.
- التشليت:
وهي في الأساس مناطق رطبة متوسطة المساحة، وذات عمق ضئيل، كما أن تنوعها النباتي قليل وتجف بسرعة وتعد مصدرا لسقي المواشي في فصل الخريف، وتنتشر التشلاتن بشكل واسع النطاق في مختلف مناطق الولاية في الفترة الموسمية لفصل الخريف، ومن أهم مناطقها؛ التشليت الدخنه، وتشليت تيبمباي، وتشليت أغوجي، وتشليت لمليحس، وتشليت القدية، وتشليت الظاية وانيم واكفس، وغيرها من المناطق الموسمية الرطبة، التي لا يمكن حصرها.
- التويـمرت:
وهذه تختلف عن التامورت بصغر مساحتها، وقلة عمقها، وتشترك معها في سيادة شجر أمور ACACIA NILOTICA وتعد مصدرا هاما لسقي المواشي خصوصا في فصل الخريف، وهي من أكثر المناطق الرطبة انتشارا في الولاية خصوصا في الأجزاء الجنوبية الشرقية والجنوبية الغربية من هضبة تكانت، ومن أمثلتها على سبيل النمذجة؛ التويمرت فم الكوز، والتويمرت لخديمة، والتويمراتن اخمس تيدوم والمشروع، والتويمراتن أشرم والسن، وغيرها كثير.
- المحـكم:
وهي منطقة رطبة مشاطئة لمجرى مائي ذات عمق ضئيل وتجف بسرعة ينتشر فيها أمور، ومن أشهر المحاكم؛ محكم تامورت النعاج، أو محاكمها على الأصح التي تنتشر على امتداد التامورت، خاصة في المناطق الآهلة بالسكان مما يشكل فائدة اقتصادية هامة نتيجة لسرعة نضوب المياه في لمحاكم الشيء الذي يعجل استصلاح مساحاتها لغرض الاستغلال الزراعي، على عكس المناطق الرطبة العميقة التي تحتاج وقتا طويلا للتسرب.
- آمـرش:
وهي منطقة فيضية قليلة العمق والمساحة تكثر فيها صدر بيظة ACACIA SEYAL وتوجد كذلك بمحاذاة بحيرة تامورت النعاج في الأجزاء الشرقية والجنوبية الغربية منها التي تتميز بجريانها التحتي الذي يرجع إلى الفترة الموسمية الفيضية.
- الشمسية:
وهي منطقة رطبة قليلة العمق، وذات قاع صخري حيث تعكس أشعة الشمس، ونظرا لصعوبة استغلالها لا تكون عادة مملوكة لقرية أو تجمع وتسهم في سقي المواشي في الموسم الرطب. توجد بكثرة في المناطق الوسطى والشمالية الغربية من الولاية.
- القلـتة:
وهي مناطق رطبة صغيرة نسبيا، إلا أنها عميقة حيث تزودها شلالات من منابع صخرية وتكون بعيدة عن التجمعات القروية، وتعد مصدرا كبيرا للتنوع الإحيائي بالرغم من صغر مساحتها. ومن أهم القلات في ولاية تكانت؛ قلتة مطماطة التي تتميز بتنوع إيكولوجي نادر في منطقة صحراوية جافة كولاية تكانت؛ حيث تتوفر هذه القلتة على مخزون هام من الأسماك يتم استغلاله في الغالب من طرف الماليين والغامبيين والسنغاليين وغيرهم من الأفارقة الذين يفدون إلى هذه البحيرة الصغيرة لاستغلال ثروتها السمكية؛ نتيجة لعزوف الساكنة المحلية عن مادة السمك، وزهدهم في ممارسة هكذا نشاط اقتصادي، كما تتميز قلتة مطماطة بوجود التماسيح وتتكاثر في محيطها الطبيعي حياة حيوانية برية متنوعة؛ حيث الخنازير البرية والذئاب والقردة، وغيرها من الأصناف الحيوانية التي تشكل القلتة موئلا لها.
هذا وإن هذه هي أهم المناطق الرطبة بمختلف أنواعها وأشكالها في ولاية تكانت، بالإضافة إلى بعض المناطق الرطبة الأخرى التي لا يمكن التغافل عنها؛ كإكني، ولمسيلة، والقليق، والواحة، والسبخة… إلخ.
إن غنى المفردات الدالة على المناطق الرطبة في ولاية تكانت وفي البلاد بشكل عام؛ يعكس درجة تفاعل الموريتانيين وبيئتهم، مما شكل لقرون طويلة حالة انسجام بين البعد الثقافي – الاجتماعي والبعد الطبيعي.
إن النظام الهيدرولوجي لهضبة تكانت، يعتبر من ضمن أربعة مناطق موريتانية رطبة ذات أهمية عالمية وفقا لمعاهدة ” رامسار “، فما هي أهمية هذه الاتفاقية في الحفاظ على المناطق الرطبة؟
معاهدة رامسار للمناطق الرطبة ( 1971 _ 1975م ):
تعتبر معاهدة رامسار للمناطق الرطبة بمثابة إطار للتعاون الدولي والقومي للحفاظ والاستعمال العقلاني للأراضي الرطبة ومصادرها، حيث وضعت عام 1971م بمدينة ” رامسار ” الإيرانية، ودخلت حيز التنفيذ في سنة 1975م، وهي تعتبر الاتفاقية الدولية الوحيدة في مجال البيئة التي تعالج نظام بيئي خاص.
تضم المعاهدة اليوم 168 بلدا من ضمنها موريتانيا، حيث صادقت عليها 1994م ويبلغ عدد المناطق الرطبة المصنفة ذات أهمية عالمية وفقا للمعاهدة على مستوى العالم 2187، من بينها أربع مناطق موريتانية هي: حوض آركين، حوض جاولينغ، وشات بول، وبحيرة كابو، بالإضافة إلى النظام الهيدرولوجي لهضبة تكانت وبمساحة إجمالية تحدد بمليون ومائتا ألف هكتار، إن قارنها ب 49 منطقة رطبة مسجلة في فلندا لكن بمساحة إجمالية تحدد ب 800000 هكتار فقط.
وفي المحصلة فإن هنالك مناطق رطبة عديدة في موريتانيا تتوفر فيها معايير رامسار، ويمكن اقتراحها بعد إنجاز الدراسات الضرورية مثل بحيرة بوكاري، وبحيرة كنكوصة وقاعة السوانا، وبحيرتي ألاك ومال… إلخ.
خاتمة
تعد مناطقنا الرطبة إرثا إنسانيا يجب حفظه إعطاؤه العناية الضرورية، فوجود الماء في بيئة دافئة هو كل ما تحتاجه الطيور المهاجرة والهاربة من صقيع أوروبا حيث تجد المسطحات المائية بما توفره من نباتات مائية حيث لا يكدر صفوها للأسف سوى إطلاق نار من بندقية لصياد غير مسؤؤل.
لا تقتصر القيمة ولا الأهمية البيئية للمناطق الرطبة على كونها موائل للطيور لأشهر عديدة من السنة، بل تتجاوزها حيث تعج بالحياة وتوفر الملاذ لكائنات عديدة قد لا توجد إلا في هذه المناطق ذات الأوساط الحيوية.
إن التسيير المعقلن والمستدام للمناطق الرطبة يعد أمرا بالغ الأهمية إذا ما أردنا صون إرثنا الطبيعي، كما أن اقتراح مناطقنا الرطبة التي تتوفر فيها معايير رامسار سينقلها إلى العالمية لتصبح إرثا إنسانيا عالميا يحفظه القانون الدولي، بموجب هذه الاتفاقية ( معاهدة رامسار للمناطق الرطبة ) الأولى من نوعها في المجال البيئي.
وحري بالتذكير أن المناطق الرطبة هي كل وسط تغمره المياه كليا أو جزئيا، أو به نسبة من المياه أو رطوبة ويكون ذلك خلال كامل السنة أو لفترة مؤقتة، وانطلاقا من هذا المفهوم فإن بلادنا تضم مئات المناطق الرطبة، يحتوي شرق البلاد وحده على أغلبها بمعدل 241 منطقة رطبة.